Saturday

على قيد الحياة

على قيد الحياة..

ثلاثة و أربعون عاماً، عداً ونقداً.. لا اعرف كيف قطعت كل تلك السنوات حتى وصلت الى هذا الوقت من العمر كي اتقبل به تهاني ميلادي الثالث والاربعين..الذي اعرفه انني واجهت الموت عدة مرات.. حتى أنني استطيع التأكيد على انني ومنذ العام 1992 أعيش حياة أخرى, حياة إضافية, هناك من في السماء من أراد منحي فرصة جديدة وسنوات أخرى.. أنا حيٌ يرزق بقدرة قادر.. حيٌ من جديد ربما في الوقت الذي اضاعته الحروب التي شهدتها مطارحي, ولانها كادت تقتلني ارادت الإعتذار مني بمنحي سنوات أخرى..43 عاماً كأنها الدهر، ما اطولها كل تلك السنوات.. كل تلك الشهور.. كل هذه الاسابيع.. هذه الايام.. هذه الساعات.. هذه الدقائق.. و كل هذه الثواني.. كيف لي القدرة على ان أعيش كل هذا العمر وأنا أصارع بقائي لأدرك الموت بعد مقدار ٍ من السنين، أقول ما زال العمر في بداياته.. أحزن على موت عزيز ٍ، أشاهد كيف ستكون خاتمتي بعد كل تلك السنوات.. اليست ايام الحياة متكررة مع بعض التغيرات الطفيفة. أعيش اللحظات بدقاتها كما دقات قلبي الذي لا يتوقف طالما اني على قيد الحياة..

ان سنوات عمرنا تدون بلحظة .. كما الموت إن أتي.. أرسم على وجهي ابتسامة وأغادر.. اقرأ سيرة الراحلين قبلي على لوحة رخامية بيضاء يدون عليها تاريخ ميلادهم الى تاريخ وفاتهم.. ان الحياة كلها تشبه بعضها.. "كل عام ٍ وانت بخير"، كل عام وانت تعيش ضجيج هذه الحياة اليومية على تلك الأرض التي بعدها لا أدري الى اين أذهب.. او ربما البعض يدري الى حد الحفرة التي توضع فيها جثته. اما انا فاني نائم ولكني لا أدرى شيء من حولي..كغيري أرغب لو اني أعيش مدى الدهر...

"كل عام وانت بخير".. هذا ما يوسمني به الأهل والاصدقاء والرفاق.. فبعد كل سنة أمضيها وانا أستقبل عاماً اخراً ليزيد من عمري.. لا أدري ماذا أفعل.. أرفع احجار سنيني يوماً بعد يوم، تتشابك فيما بينها, وبين يومياتنا.. لعلي لا أذكر من حياتي الا الولادة.. لم يبقَ منها شيئ سوى ذكريات مرت على بالنا ، اصدقاء الطفولة، رفاق المدرسة.. كل المدارس التعليمية والحزبية لأجد نفسي بلحظة ما وسط الساعات الحزينة.. أسأل دمعي عن الأمر فأجد الحزن هذا مرسوماً على شكل عيون ادمنت الذكريات ما يترك لدي حنين عن هذا الماضي الذي كنته..

الذكريات اجمل ما في حياتي، أتحدث عنها بحنان قلب ورأفة عين.. أذكر اهلي الذين مضوا .. واشقائي، اصدقائي، غادروا تاركين فيي اسى الفراق.. ما احب يوماً عليي سوى هذه اللحظات لأعاود كل يوم سرد تفاصيل سنوات مرت بي، اكثرها ذكرى حينما أكون وحيداً.. عندما أختلي بنفسي, ألاحظ الضجيج المعمم بالهدوء.. الضجيج الآتي من هدوء الذكرى.. ليصبح الأمس مترابطاً مع الحاضر متسللاً الى الباقي من حياتي ان بقيت، لتصبح اللحظة الاتية ذكرى الا اذا مرت بي عاصفة فتصبح اثراً بعد حين..

لا يمكن اختصار فلسفة الحياة في نمط فردي او في قالب معين.. جل ما يستطيع الفرد ان يفعله هو سرد تجربة الحياة التي تأتي اليها بعد مخاضات لولادة خاطفة.. حقاً ان الحياة تجربة واختبار يمر بها الأنسان وكل مخلوق اخر.. فهي لن تتكرر الا من يعتمد على تقمص روحه لتسكن في الاخر.. والا ما معنى ان نأتي على ذكريات ونحن لن نعيشها مجددا..

من دنيا البقاء الى دنيا الفناء هذا ما أسلم به حتى اللحظة والى ان يثبت علينا الموت.. ستبقى اوراقي شيوعية، ادونها في يومياتي ازيد عليها ما بقي من عمري حبر حياة.. كي يبقى من حياتي بعض اوراق.. لعلني لا اكتب ورقة نعوة.. سيرة ذاتية.. بقدر ما ادون احساس من لحظات التأمل والوحدة..

لأختم اخيراً بكلمات من اغنية لفيروز التي هي اساس الأساس من تحريك لذكرياتك بالشكل المميز..

"احكيلي احكيلي عن بلدي حكيلي.. عن اهلي حكاية.. عن بيتي حكاية.. عن دار الطفولة حكاية طويلة.. ساعات الفرح الحزينة.. ظلي اذكريني"..

زكريا اسماعيل

No comments: