Saturday

انتساب جديد

انتساب جديد

في العام 1983 مريت على منزل الرفيق ابو جورج قصابلي، والد الشهيد جورج قصابلي.. هناك جلسنا في غرفة محايدة تعودنا ان نجتمع فيها مساء كل خميس.. كنا فرقة مؤلفة من حوالي 18 صديقاً قبل ان نصبح رفاقاً، كان العدد يزيد وينقص حسب اشغال الاصدقاء قبل ان يصبحوا رفاق..

كنا نناقش كل ما يتعلق بسياسة الحزب ونناقش الكثير من المواضيع..

في العام 1983 كان الرفيق ابو جورج ينظر الينا فرحاً، يشاهد فينا شبابه.. مسروراً بنا كالشيوعي الاصيل.. ثم كانت ابنته الرفيقة كاتي تهتم بكل ما نحتاج له من كراسات حزبية وحتى معنويات.. بقي اهتمامها هذا حتى مماتها..

في العام 1983 كنا فرحين جداً ونحن نتلقى محاضرات تثقيفية عن المبادىء الشيوعية والاشتراكية والماركسية، نتلهف تلك الكراسات ونقرئها حتى الحفظ بغير ما كنا نفعل بالدروس المدرسية..

كنا نجتمع في منزل الرفيق ابو جورج قصابلي وكانت ام جورج قصابلي والدة الشهيد جورج قصابلي تدعوا لنا بكل حنان ومحبة بصوتها الرقيق والهادي.. ذلك الصوت المتعب او الذي تعب بعد استشهاد ابنها الرفيق جورج في الموجهات التي حصلت عند الدخول الاسرائيلي الى بيروت..

نحن الفرقة التي التي اصبح عددها 23 رفيقاً تقدموا بطلبات انتسابهم الى الحزب في مثل هذا اليوم من العام 1983.. يا لفرحتنا بهذا الانتساب الذي انتشلنا من مراهقتنا وجعل منا رفاق..

اصبحوا ينادوننا "بالرفيق"...ثلاثة وثمانون وردة لهذه الذكرى..

اجدد طلب انتسابي لهذا الحزب بكل ما له وما عليها.. انتسابي الجديد اهديه الى عائلة الرفيق المرحوم تامر قصابلي (ابو جورج) اشكرهم على ما علموني اياه عن هذا الحزب..

منذ العام 1983 وحتى العام 2007 اشعر بأننا نحن الشيوعيين ما زلنا الضجيج الذي يمنع هذا العالم من الرزوح فوق اجساد الفقراء والمستضعفين، كما قالها يوماً (تشي غيفارا) اجل ما زلنا الشعلة التي تنير درب الحرية الذي يشيعه ظلامي اعداء الوطن واعداء ابناءه..

ما بين العام 1983 والعام 2007 تاريخ كبير.. مجد حزب رسمه شهداؤه واسراه وجنوده المجهولين.. ما زال حزب الطليعة رغم جحافل الدجالين واليساريين الجدد واليمينيين..

ما زال حزب المقاومين على الثغور، في الشوارع، في الساحات.. في التجمعات التي يعقدونها في تلك البيوت التي تشبه منزل الرفيق ابو جورج..

حزبي باقً بقاء الزهر والزيتون..

حزبي باقً بقاء السنديان على مر العصور..

يا حزبي الباقي كمثل اليوم الذي تأسست فيه..

يا حزبي الذين مروا عليك وغادروك شهداء..

ليس كمن غادروك غدراً..

يا حزبي في عيدك اهديك منجلاً ومطرقة..

في عيدك

لك 83 وردة..

اهديك ثلاثة وثمانون عمراً..

وكل عمر مئة عام..

يا حزبي عذراً لأننا لا نستطيع مغادرتك..

شيء فيك احببناه لا ندري ما هو..

شيء فيك يعلقنا بك.. ربما حياتنا التي نهديك هي..

يا حزبي تحية لمن مر عليك وما غادرك..

يا حزبي في عيدك..

اسمح لي ان اهديك طفلين هما اغلى ما املك اليك..

يا حزبي في عيدك نحن لا نحيا الا اذا كنت بيننا..

منذ العام 1983 الى ميلادك ال 83 عام

حضورنا مازال في حضورك..

زكريا اسماعيل

معرفة ابدية

معرفة ابدية

تعرفت على جمول يوم ولدت في 16 ايلول.. تعرفت على جمول من رفاق ذهبوا وحتى الآن لم يعد منهم احد..
تعرفت على جمول من مسير الليالي وعتمتها.. تعرفت على جمول من شروق الشمس ومراقبتها كي ينام الساهرين على امن الوطن.. تعرفت على جمول من اصوات الطلقات البعيدة كل فجر ويتبعها صوت انفجار..
تعرفت على جمول من انتظار ام ساورها القلق على ابنائها وما كانت تنام لتعرف من منهم سوف يعود..
"قلبي عليهم يظهروا وما يرجعوا".. من سوف تنشر صورته عبر جريدة النداء ونبذة حياتهم مكللين بكادر احمر، تتحدث عن مأثر فتياتها وشبابها ..
تعرفت على جمول من دعسات اقدامهم وهي تلوي العشب اليابس من غير ان يصدر منها اصوات..
تعرفت على جمول من بياناتها اليومية عن استمرارها لدحر الأحتلال..
تعرفت على جمول من خطابات جورج حاوي يوم وقف خطيباً في برجا يقول: كانو خمسة عشرة رفيقاً وهو يعدد انتمائاتهم الجغرافية عبر مساحة الوطن كله..
يومها عرفت انور ياسين..
تعرفت على جمول من تلال جبل الشيخ الى كل الاماكن التي كانت عليها احتلال الى اول شهيد منها في مزارع شبعا..
تعرفت على جمول من خلال يسار مروة ولولا عبود وانعام حمزة وجمال ساطي والياس حرب وحسام حجازي وغيرهم وغيرهم الكثير الكثير..
تعرفت على جمول من معتقلات انصار والخيام وعتليت ونفحة وغيرها الكثير من المعتقلات..
تعرفت على جمول من خلال سهى بشارة وسليمان رمضان ونبيه عواضة وناصر خرفان ورجائي ابو همين وغيرهم الكثير الكثير.. تعرفت على جمول من نزيه القبرصلي وسناء محيدلي وبلال فحص وحسن قصير..
تعرفت على جمول من اعراس الشهداء ، لا المآتم..
تعرفت على جمول من زياد الرحباني ومارسيل خليفة واحمد قعبور وجوليا بطرس..
تعرفت على جمول من خلال ثيابهم الممزقة فوقها حزام عليه منجل ومطرقة بقي حتى عودة جثامين الشهداء في التبادل الاخير.. تعرفت على جمول من المعلبات التي كانت زادهم وخبزهم اليابس المفتت..
"جمول، ما بعرفن ما شايفن.. لفوا وجوهم بالقهر.. خبوا اساميهم وما في حدا بشوفهم الا اذا ماتوا"..
تعرفت على جمول من اغنية "المقاومة" لزياد الرحباني " ولا الشهدا قلوا، ولا الشهدا زادوا.. اللي عم يحكوا اليوم هو غير اللي ماتو، المعتر بكل الارض دايماً هوي ذاتو"..
تعرفت على جمول من حكايات الناس التي تناقلت بطولاتهم في الفداء والاستشهاد..
جمول هي الان من يتابعها بعدنا..
يحقق الانتصارات كما تحققت من قبل منذ بدء انطلاقتها في 16 ايلول 1982 حتى اخر انتصار في حرب تموز من عام 2006.. تاريخ مضيء وجرح حنين لا ينضب..
ان جمول التي وجدت لتنتصر وانتصرت..
" قلبي عليهم يظهروا وما يرجعوا..
فأجمل الامهات التي انتظرت ابنها وعاد مستشهداً..
هكذا تعرفت على جمول..
هيذي مش غنية.. هيذي بس تحية...

زكريا اسماعيل

في البال اغنية

في البال اغنية

لم يعرفوني في الظلال التي تمتص لوني بجواز السفر.. وكان جرحي عندهم معرضاً لسائح يعشق جمع الصور.. ابدأ من حيث انهى مارسيل خليفة حفلته في مدينة ادمنتونكندا..

انهض وناضل انهض وناضل، تلك الكلمات الاغنية التي حرضتنا على ان نترك بيوت اهلنا باكراً قبل الآوان.. حيث هناك ولدنا وهناك ربينا حيث كانت تلك الاغنيات زادنا..


نحن نتحدث عن مارسيل خليفة. لا اذكر تحديداً كيف كان ارتباطنا بهذا الفن والفنان المميز. لكنني اتذكر بعض تلك البدايات عن تعلقي به.. ان لم اقل سماعي الاول لأغانيه، وربما لأرتباطه بمبادىء امنت بها لذلك كنت اعتقد انه يغني لنا وحدنا..

"يا علي نحن اهل الجنوب.. حفاة المدن نروي سيرتك".

كانت الكلمات الاغاني تفضح اعدائنا.. الذين

" ذات يوم سنوجه سكك محاريثنا الى قلوبهم السمينة الفاجرة"..

نحن حفاة المدن نروي سيرتك من هنا.. من حيث" تبدء الخارطة والكلمات".. لا يمكنك ان تكتب عن مارسيل خليفة والا وتتداخل كلمات اغانيه مع كلمات سيرتك.. تختزن ذاكرتنا بما لا تتسع لها صفحات الدنيا..

"ليحدثنا عن ايمن، عن فرح غابات الفاتنة في عينيه وعن سحر يديه"..

كم من اشخاص حملوا هذا الاسم بعد ان ولدتهم امهاتهم في تلك الفترة التي سمعوا هذه الاغنية..

ما يحرضني على هذه السيرة هو انني شاهدت احدى امسياته وانا هنا في البلاد البعيدة، التي اضطرتني الظروف لأن ابتعد عن الارض والناس الذين التصقت بي حكاياتهم ومعاناتهم من الاحتلال الاسرائيلي حينما كان مارسيل صوت المقاومة عبر الكلمة والاغنية، به تعمق ارتباطنا بأرضنا ونحن نستمع اليه بأستمرار.

لكل جيل احداثه التي تمثل تكوينه الشخصي والذهني .. وانا الذي كان لدي فنانيي ومبدعيي الذين عبروا عن مراحل عايشتها لأقول انني من الجيل الذي بنى لنفسه مكاناً لن يتغير مهما الزمن تبدل.. حياة تعبر عن جزء من ذاتنا بأغاني اهمها..

"عودوا انا كنتم غرباء كما انتم.. عظماء كما انتم .. يا احبابي الموتى عودوا حتى لو كنتم متم"..

هذا الابداع اللامحدود ربما ابداعه ايضاً يعود لمؤلف اجمل اغنيه محمود درويش الذي ارتبط شعره بمارسيل خليفة والعكس بات من المستحيل ان تكتب عن مارسيل او تذكره الا وعليك ان تذكر الشاعر الفلسطيني محمود درويش..

مارسيل خليفة الذي كلما اتانا او سمعناه يمنحنا المزيد من القوة في الاستمرار بما نؤمن به في هذه البلاد.. لا لشيء الا للبقاء على وعود العاصفة من الحزن والبكاء والذكريات.. بعد الهجرات المتتالية التي نحن بها وتلك التي ابعدتنا بعضها انشغالات وبعضها اهتمامات بهموم لا تحصى ولا تعد.. ربما اخرها المواقف السياسية التي اصبحنا نحددها لأنفسنا بعلاقتنا مع الاخرين.. كان له ان يحط رحاله قربنا في الغربة في هجرتنا التي نحن بها ليقدم باقة من اغانيه برفقة ولديه رامي وبشار واخر لا اعرف من يكون.. امسيته التي تنوعت بين الموسيقى والاغاني..( يا حادي العيس، سلملي على امي واحكي لها ما جرى واشكي لها همي.. قومي اطلعي عالبال.. منتصب القامة التي انشدها متشاركاً مع الجمهور.. اعجابه كان بادياً ومتفاجيء ربما لأعتقاد لديه ان هنا من لا يعرف اغانيه.. يا بحرية هيلا هيلا، ليفاجئنا بأغنيته الجديدة

" ونحن ايضاً نحن الحياة اذا ما استطعنا اليها سبيلاً"..

كلمات للشاعر محمود درويش، كانت اهداء الى الشعب العراقي.. ذلك العنوان الذي امعن المسؤولين اللبنانيين على استهلاكه بغير مكانه الطبيعي..

كنت جالساً امام فرقته، استمع اليه وشريط الذكريات يمر مع كل اغنية له، واردد ان مسيرته الفنية لا يمكنك ان تعزلها عن المسيرة السياسية.. كان ليكون انتحاراً لتلك المسيرة لو انه اصبح غير ما كان عليه.. ربما احساساً تكون لدي من لحظة مشاهدته وهو يلف شاله الاحمر حول عنقه.. ربما ليس هذا كل ما يعطيك دلالة على انه لم يتبدل ولم يتغير.. الا ان رؤيتي هذه رسخت اكثر عندما تحادث معه الرفيق علي اسماعيل عندما استشعر منه وعن شاله الاحمر ليحرضه على الكلام ولكي يعطي رأيه بما يشوش افكارنا عنه.. ليجاوب مارسيل على الاستفسار..

" بأنه ما زال على المبادىء التي امن بها.. وما زالت اغانيه تعبر عن ما يحدد هويته السياسية المرتبطة بقضايا الناس الفقراء، وهي ما زالت تحمل هموم الاوطان المقهورة اولها فلسطين ولبنان والعراق.. وهو لم يغادر يوماً المكان الذي نشأ عليه، خاتماً كلامه ب "ولكن"؟ "الظروف صعبة جداً" .. لن نحمل تلك الكلمة اكثر ما تعني، الا اننا نكتفي بما قاله قبل ال " ولكن" ..

لكن مارسيل واحداً من الذين حافظوا على مشروعهم الفني المرتبط بالسياسي الملتزم، فهو بقي حاملاً في عوده وفوق كتفيه همه العربي وقضية فلسطين التي تجري في عروقه، وآلام العراق ولبنان المقاوم دائماً في حضوره وباله..

ايضاً ب " ولكن " في الحفل يحصل بعض الهوامش مثل رجلاً اقترب من الرفيق علي وحادثه بهمس قائلاً له: هل يعرف (حسن نصرالله) ان مارسيل خليفة يغني هنا في كندا وهل يسمح لك بالحضور قبل ان يستشير سوريا وايران..!!

انه لغريب امر هذا الرجل.. كأنه قال الرفيق علي هكذا، قبل ان يرد بكل بساطة على سؤاله:

اولاً عليك ان تحترم مكانة الناس مهما كان اختلافك معهم كبيراً.. ولتكون محترماً وتعطي هذا الانسان حقه فهو اسمه "السيد حسن نصرالله" وهو لم يتبدل لا بالموقف ولا بوجهة السلاح الذي يحمله.. وليس بخاين كما مثلك وامثالك.. ومن ثم عليك ان تقول هو سيد المقاومة شاء من شاء وابى من ابى..

تابع الرفيق علي : ان مارسيل خليفة لم يذهب بتاريخه ورسالته كيفما تهوى انت او كيفما يهوى زعماؤك.. واذا كان السيد حسن يقاوم بالسلاح فمارسيل خليفة مقاوم وبأمتياز في الاغنية والكلمة. وانه تحديداً هو ضد كل قوى الاستكبار العالمي مدافعاً عن الشعوب المقهورة والمظلومة.. وهو ضد كل ما يحصل في فلسطين ولبنان والعراق.. حتماً حتماً من يجاهر بهذا الموقف لن يكون بالمكان الذي انت فيه.. لأختم لك يكفي انه لا انتماء طائفي له ولا هو بتاجر فني او سياسي كما زعماؤك ونحن الشيوعيين كما مارسيل خليفة ما بدلوا تبديلا.

لعلني اسجل بعض انطباعاتي الشخصية عن تلك الامسية.. الا انني لم استشعر كما كنت خائفاً منه في زحمة التبدلات الجذرية التي تعصف وتطحن من لا يستطيع الوقوف في هذه العاصفة.. من هذا الزمن الردىء حيث يتحول بعض الوطنيين او ما سميوا به الى الضد، ضد اوطانهم وشعوبهم حيث المواقف تباع وتشترى.. الا ان هناك من يرفع لواء الدفاع عن الانسان وارضه ومارسيل واحداً منهم.. هناك من يرفع لواء المقاومة بالسلاح وهناك من يجسدها بالقلم.. الا ان الاجمل في التعبير عنها ما زال في اغاني وموسيقى مارسيل خليفة..

كان لقاء مارسيل خليفة بعد ختام الحفل ليوقع البوماته ويتحادث مع محبيه الذين اصطفوا واخذ كلاً منهم يحادثه وهو يجاوب كما وكأنه يغني بكل تعبير من وجهه ويديه.. كانت لي فرصة ان اشكره على ما قدمه من ابداع.. كان وما زال عالقاً بذاتي والى الابد..

مارسيل خليفة رمزاً يمنحنا الامل والقوة لمواصلة المسير والمشي بالقامة المنتصبة وبالهامة المرفوعة.. نحمل بكفنا غصن زيتون وعلى اكتافنا نعوشنا..

نحلم بالياسمين والشمس التي سوف تشرق على ايامنا القادمة..

لا للحرب، لا للتدويل لا لكل الضجيج في بلدي نعم للمقاومة نعم لهذا النوع من الفن المرتبط بقضايا التحرر في كل بلاد العالم..

ما رسيل خليفة .. شكراً لك..

(كل قلوب الناس جنسيتي.. فلتسقطوا عني جواز السفر)...

زكريا اسماعيل