Sunday
بقية اشلاء
بقية اشلاء
لا اعرف الى اين سوف تأخذني هذه الكتابة.. فلم اكن يوماً كاتباً
ولا شاعراً.. مع انني دائماً كنت اطمح لكي اكون كذلك.. بلحظة وجيزة ينتقل بك الوجود التي تكون فيه الى عالم لم تكن تألفه او هو ليس بما يناسبك.. بلحظة فرح تصبح حزيناً لا تدري ما السبب في ذلك.. دائماً الفرح صاخباً انما الحزن لا.. الحزن يكون اما في الكواليس او يسجن داخل ذاتك.. ينمو معك طالما يشعرك دائماً انه موجود.. ام انك سبب لفعل ما في زمناً ما.. رغم انك لم تكن مدرك لما سوف يحدث من افعالك الطائشة، حتى وانت في عمر لا يسمح لك ان تكون مسؤولاً عن افعالك لسبب انك ما زلت بعمر المراهقة..
زكريا اسماعيل
Monday
البواب
على باب منوقف تنودع الأحباب
نغمرهن و تولع ايدينا بالعذاب
و بواب بواب شي غرب شي صحاب
شي مسكر وناطر تيرجعوا الغياب
أه البواب
وقت اللي بلوحلك و بسكر الباب بياخدني الحنين
بفكر رح اشتقلك بفكر عا هالباب رح انطر سنين
أه يا باب المحفور عمري فيك
رح انطر و سميك باب العذاب
في باب غرقان بريحة الياسمين في باب مشتاق
في باب حزين في باب مهجور أهلو منسيين
هالأرض كلا بيوت يا رب خليها مزيني ببواب
و لا يحزن و لا بيت و لا يتسكر باب
وعود من العاصفة
وعود من العاصفة
شعر: محمود درويش
وليكن
لا بدّ لي أن أرفض الموت
وأن أحرق دمع الأغنيات الراعفةْ
وأُعري شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة
فإذا كنت أغني للفرح
خلف أجفان العيون الخائفة
فلأن العاصفة
وعدتني بنبيذ
وبأنخاب جديدة
وبأقواس قزح
ولأن العاصفة
كنّست صوت العصافير البليدة
والغصون المستعارة
عن جذوع الشجرات الواقفة
وليكن ...
لا بد لي أن أتباهى بك يا جرح المدينة
أنت يا لوحة برق في ليالينا الحزينة
يعبس الشارع في وجهي
فتحميني من الظل ونظرات الضغينة
سأغني للفرح
خلف أجفان العيون الخائفة
منذ هبّت في بلادي العاصفة
وعدتني بنبيذ وبأقواس قزح
Saturday
بطل الصدفة
بطل الصدفة .. من يعيد اعتباره
قصة قصيرة من وجدان الواقع اليومي
ربما جاء وقت على كل منا، وسأل نفسه في مرارة: ما الذي يجري لبعض الأشخاص؟! ماذا يحدث في سلوكياتهم؟. لماذا لايهتم الأنسان بمشاكله وهمومه والنهوض بها من كبوته، وامثال بعض الذين اشتهروا بين الناس بالبطل الذي اضاع بوصلته لينطبق عليه المثل "من بطل الى حكواتي الحارات التي تتقن لغة الثرثرة" ما من فائدة منهم الا ان هؤلاء الاشخاص مثله يضيعون بالمتاهات وينحدرون الى اسفل ما بقدرة الانسان ان يصل نزولاً بعشرات المرات في اليوم الواحد.. لنقول ضيعان الأكتاف التي حملتك.. الكلمات التي كتبت عنك.. وما كنا لنندم لأنك كنت ماضياً غير ما انت عليه حاضراً
اعتقد ان الحكاية لا تشبه احداً وان كانت تشير عن احد فهي محض صدفة، لأنها من الخيال المعاش في الوحدة والانعتاق بعيداً عن كل ثرثرات المتبجحين في بطولة من لا شيء
لابد ان تبدأ القصة من هذا الفيروس الذي نزل علينا وتمكن من كثيرين منا وتوغل في سلوكيات معظمنا، انه فيروس الكذب والتطاول على من مد يده واعطى من كل قلبه ليبادلك الأخر بالاذي فأستهان به البعض وتعامل معه وصار نقيضاً لكل تاريخه ونحر كل علاقته بمن احتضنوه سنوات عمر فما العتب على من فعل الخير هذا.. ليلجأ الي لغة تتعدد فيها الاساليب اللأخلاقية حتي نشأت صداقة حميمة بين الاثنين، أللأخلاقي واللأمنطقي مع اؤلئك الناس ليستمر وجودهم بقوة تلك الكذبة، التي يصدقونها وحدهم
هي تفرقة خاطئة ومدمرة ومن صنع اشخاص انتشوا حتى ضاعوا على مزابل، لان شرائع الحياة لم تخبرنا او تبلغنا بأن الكذب اشكال وألوان وانما اجمعت تلك الشرائع الأجتماعية علي الكذب هو الكذب مهما كان اشخاصاً منهم في عظيم البطولة عند هؤلاء.. فهذا لا يعفيهم من النقد واللوم او توجيه السؤال بقليل من السواد! ليس معظم الابطال يتقدسون انها الخدعة في محتوى هؤلاء اللذين يكذبون على الناس حتى اصبح الكذب خبزهم اليومي فكثيرون استخدموه واستثمروه واعجبتهم النتائج الاولية السريعة التي يخدع بها الكذاب جمهوره
من هنا كثرت الوشايات وتلفيق المؤامرات وتشويه السمعة وخراب الصداقات الرفاقية، وغيرها من النتائج التي يضيع بسببها ضحايا ابرياء طالتهم سهام الكذابين!! والكارثة ان الكذاب سرعان ما ينقلب الي منافق ثم يجد الطريق مفتوحا امامه علي مصراعيه ليصل الي (الخيانة والخداع)، واللامبالاة بأي قيمة من القيم التي جمعتها سنوات العمر في اماكن عاشوها وآلفوها حيث طبعت عليها حياتهم اصدقاء ورفاق واخوة وتقاسموا الخبز فيما بينهم، وليناموا في غرفة واحدة يجمعهم غطاء واحد كطفولة لا تعبث بحياة الأخرين ذرة عبث لأجد نفسي اخر هذا العمر انني ( لم اجد من يطعمني او يتحسن علي) حسب الحكواتي، وانا الذي بقيت مرفوع الراس لم اطرق يوماً باب الحاجة ليكون هؤلاء الاشخاص من يطرقون بابي لسنوات خلت..!!
الغريب ان احدا منا لم يفكر في الاسباب والدوافع التي تقف وراءه، والسبل والطرق التي يمكن ان نقاوم بها هذا السلوك، خاصة انه جديد ووافد علينا ولا زال فريق كبير من مجتمعنا يحرص علي ان يطهر نفسه والاخرين منه!.
بعض الافراد انفسهم استمرأوا الكذب كوسيلة من وسائل المنافسة غير الشريفة او الوقيعة ليفقدوا ثقتهم فيه! الاكثر من ذلك ان الموظف هذا في جهة حكومية كثيرا ما يلجأ هو الاخر للكذب على المواطن البسيط او على زميل اخر او يطلب منه ما لا تستطيع الوفاء به، فاذا به يلجأ الي سياسات منافعية يغري بها المواطن الكسول او المرتشي للوقوف الى جانبه..
كل هذه الخواطر جالت بخاطري وانا اتابع حواراً جرى على منتدى اكاد اعشقه اسمه (جمول) وعن ذات ارتباط بين الضيف الطاريء لينقض على كل تاريخ هذا المنتدى ..هزتني تفاصيله بشدة وأوقعتني في حيرة ودهشة.. ودفعتني الي التأمل وان اسأل نفسي سؤالا محددا، كيف يسترد هذه الأنسان اعتباره بعد ان فارق تلك الهالة التي كان عليها؟ هذا الأنسان بطل هذه المأساة التي يشرع لها من كل جوارح انتقامه.. مضت اعوام على الأنفصال السياسي وبدأت السياسات الخبيثة، تتغلغل بين رفاق الصف الواحد الي ان اصبح وجها لوجه امام ادلة التغيير والتبديل الكبير الذي اصبح عليه هؤلاء اليساريين الجدد الذين حجزوا اماكن رابحة مادية وخاسرة معنوياً وسياسياً ليناقضوا التاريخ الذي كانوا عليه.. ليصعدوا علي اول طائرة الي المقلب الاخر لينعتوا اول ما ينعتوه من اخرجهم من السجن (بكلمات لا نستطيع نشرها هنا وهي مدونة عندنا) وليواجهوا محرريهم بشتى انواع التلفيق الشتم وما الى هنالك من نعوت لا يتقنها الا من كان لا اصل له ولا فصل.. ليتبين في النهاية ان تلك البطولة كانت صدفة تاريخية..
بهذه الادلة يلقى عليهم سمة الخيانة.. لكن الصدمة اكبر من ان تحتمل واسرع من ان تستوعبها تلقي بنفسك فوق اوراق بيضاء لتدون ما تحتقنه من ذكرى كانت جميلة ثم طعنت الف طعنة !.. ماتت و واشبعت موتاً.. عاد الجنوح الى التبذير بكماً من المعلومات التي لا اساس لها من الصحة ومرت تلك الكلمات ليتصدى لها بض الاصدقاء حتي كانت كبري المفاجآت.
و(قال لي الرفيق: الذي قرأ نص الرسالة التي ارسلت لي: اسمع يا رفيقي انك اشرف من الشرف، ولست بحاجة لتدافع عن نفسك) لكنني صدمت من هذه الرسالة فحاول معي ان اكتب رداً قاسياً لكنني رفضت اصر على ان ينتقي لي كلمات لكنني ايضاً امتنعت .. استخدم معرفتي في الكتابة ، لم اتصور أبدا ان ينهي حياته هذا البطل بهذه المأساة، لكنني دفعت الثمن فادحا، الان لم يعد بيني وبين هذا "البطل الصدفة "سوي سواتر التراب وكل البلاد والعذابات التي قطعتها لكي اصل الى زوجتي الفلسطينية في امتياز، العربية من ذات اصول عربية، ليصبح بيني وبينه كماً من سواتر اسمنت مسلحة بحديد بحجم المسافات التي تفصلني عنه..
بهذه الكلمات واجهت رفيقي "علي " هنا.. ارجوك رفيق علي لا تحدثه عني ولا تعامله بمعاملتي لك، كن اكرم مني انت وسامحه حتي لا أواجه الذنب الكبير بما ارتكبه بحقي من كذب وافتراء وليس لي غير اوراقي لتكون شاهدة الاثبات بيني وبينه، انا لست متورطاً بشيء سأتركه لأهله.. ليساره الجديد ونحن معهم لن نلتقي!. ولن يكون بيننا لا حديث ولا لقاء بعد الأن.
في نفس اليوم الذي كنت اكتب هذا الموضوع فاتحني الرفيق علي بما سيقوله له.. اعطيته رقم هاتفه لأنني احمله كان صديقي القديم وصلنا بعدها الى رفاقاً.. "بقي ابي حتى وفاته يذكرني بكلمة قلتها لأمي كم كنت اتمنى ان تكوني مثل امه" الا انني كلما تذكرت تلك الكلمات يرهقني الندم فأمي التي خلفتني غير امه التي اولدته.!. فأنا لا اخون من مد يده لي.. ولا اجروء على بوح كلمة لا تليق بمكانتي.. اذاً انا غيره تماماً..
انها حكاية من حكايات المناضلين في الصدفة.. الذين يصادقونك لمصلحة، لفائدة، لسد حاجة لكن بقي السؤال يحيرني حتي الآن:
من يريد لهذا لبطل ان يؤمنه.. هو اليد التي دائماً على خنجر الغدر.. هو المأساة في تلك الحركة المأساسية اليساروية (حركة اليسار الديمقراطي) التي في اعتباره الشيء الجديد لهذا العالم الملييء بخداع تلك الحركات ذات المنفعة الخاصة؟ مبروك عليه هذا الجديد.. مبروك عليه هذه الخناجر التي تنز سم قبل دم
زكريا اسماعيل..
Wednesday
ناجي العلي
Tuesday
قمح الحياة
سأكون ضائعاً كأبي
«سأكون ضائعا كأبي». أجاب التلميذ المعلمة ردا على السؤال التقليدي الذي يقتحم أحلام الأطفال. ومن ورقة الليرات العشر المنسية على أرض مقهى «شيخ الشباب» أبو عاصي اشترى الكمان ـ الجوهرة وعصا الزمن عندما حقق حلمه بخلق فن مرصّع بأقانيم ثلاثة: الإيمان، الوطن والحب. وجميعها مستريحة على مبادئ ـ صخور غير قابلة للتفاوض وفي مقدمها الأخلاق والالتزام. أسئلة كثيرة طرحها عاصي الرحباني منذ ولادته مطلع العشرينيات ولغاية رحيل لن يحصل. أسئلة القلق والخوف والوعي والغياب. أما القوة فليست حتما في الجواب. أخذ على عاتقه وشقيقه تشذيب الأجيال. كل جيل يجد عنده ضالته. يجد لبنان الحلم والحب. يجد الأناقة الفطرية في اللحن والكلام. يجد نفسه الجميلة قبل أن تنغمس في وحول هذا العالم لتتحول الى شيء تعجز من بعدها عن التعرف اليه
في أنطلياس القرية والمدينة المتنية صقلته المعاناة وجوهرته التجارب. يقول منصور الرحباني: «إنها حكاية طفولة غريبة ترعرعت بين حفافي نهر الفوار وشجر الحور والصفصاف ووعر الجبال والصخور ومغاور انطلياس التاريخية... حكاية الفقر والحرمان حتى الوجع المر والبكاء الصامت الذي ينتهي دموعا حافية على أطراف مخدة ممزقة فوق فراش عتيق». في سن الـ14 ألف عاصي مجلته «الحرشاية» وفي بساتين ليمون انطلياس، خبأ ومنصور «خيبات» التجارب الأولى بعدما لملماها من ساحة البلدة التي شهدت الأخوين في مسرحية «يوسف بك كرم» التي كان الضرب المبرح نصيبهما منها على ايدي شبان شيوعيين من انطلياس، ومسرحية «النعمان الثالث ملك الحيرة» التي انتهت بهرج ومرج. خيبات كانت أولى الخطوات نحو النجاح بل الإبداع في ربط الجمال بالهم الإنساني. فأمام قدر قاس لم يبخل عليه بالمرض والظلم والموت، تسلح بإيمان من قد يتذمر من خالقه ولكنه في النهاية يختار التعويل على رحمته وانتظار عدله
وفي شوارع انطلياس أيضا «ضبط» عاصي إيقاع البلدة كـ«بوليس» للبلدية وهي المهنة التي زاولها نزولا عند رغبة والده القائل بأن «الفن لا يطعم خبزا». وفي خباياها «عاشر» القرويين و«القبضايات» من رواد مقهى أبي عاصي. الناس كانت هي الكتب «السميكة» التي قرأها ومنها نذر نفسه للأصالة وأعطى في مسرحياته «قائمة المحتويات والأدوات» لبناء الأوطان وسوس الشعوب. «الفن ابن الوعي». عبارة يحتاج الشخص العادي لقرون كي يتوصل اليها. أما لعاصي الرحباني فوفت الفطرة والعفوية بالغرض. الفطرة في الاكتساب والعفوية المشغول عليها. ليست صدفة أن ينفجر دماغ عاصي الرحباني في عيد الأب لأن أبوة أخرى انبلجت في عتمة بحاجة الى من يهدم هيكلها ويجعلها بفكره الاستشرافي تلفظ زناديقها ليعود بعدها الى جنة الخلود تاركا وراءه نورا لا ينطفئ
لا يمكن فصل عاصي الرحباني «الحالة» عن انطلياس. ولا يمكن للعامية ولنقطة التقاء كل لبنان ولمرتع الإنسان الأول إلا أن تقدم في النهاية هدية للبنان والعالم هي عاصي الرحباني. وإذا كانت هناك مدن تخلق ناسا، وناس في المقابل تخلق مدنا، ففي حالة عاصي الرحباني «انه التكامل» على ما يقول رئيس دير مار الياس ـ انطلياس الأب جوزف عبد الساتر حيث «خلقت انطلياس عاصي وعاد هو وخلق انطلياس من جديد
وليس من المستغرب أن يطلق على مسرح دير مار الياس انطلياس العام الماضي اسم «مسرح الأخوين رحباني». ألم يكن الأب بولس الأشقر هو من أحدث التحول الكبير في حياته بعدما أعطى فرصة تعلم الموسيقى للفتى الذي كان يقف خلف باب الصف منتظرا الفرصة التي أتت في النهاية عام 1938؟ وقالها عاصي في العام 1963 عندما كان يروي تجربته وشقيقه منصور مع الأب الأنطوني: «ندهنا (الأب بولس الأشقر) من طفولتنا التائهة وعلّمنا الموسيقى. ولقننا دخول وديان النفس والأماكن العميقة في الضمير. وعلمنا أننا أمام أبواب الفن نبقى تلاميذ وأن الفرحة الكبرى هي فرحة الإنسان بولادة الجمال
فريق الأربعة
«فريق الأربعة» الذي تألف في الخمسينيات من زكي ناصيف، عبد الغني شعبان وتوفيق الباشا، كان عاصي ومنصور الرحباني حجر الزاوية فيه نحو لبننة الموسيقى ضمن «الفوضى الثقافية اللبنانية البناءة» التي سادت منذ تلك الحقبة ولغاية عشية اندلاع الحرب فنجحت، من ضمن غيرها من الفعاليات الثقافية والفنية، في تعزيز الهوية اللبنانية وبناء ثقافتها. وفي الذكرى الـ21 للرحيل المادي لعاصي الرحباني، ما زالت انطلياس على الوعد
يروي أحد «العتاق» أن زياد الرحباني عندما ألف «معرفتي فيك» هوجم أن كيف لفيروز أن تغني هذا الكلام. وعندها قال عاصي لأبي عاصي: «أنت تكمل ما بدأناه والناس إذا لم يفهموك اليوم سيفهمونك غدا فنحن في البداية لم يفهم علينا أحد». والرهان اليوم ألا تبقى المبادئ التي رسخها الفن الرحباني مجرد أفكار، نفهمها نعم لكن لا نطبقها أو على الأقل لا نحاول ذلك. والسخرية أن أهل السياسة عندنا لا يتوانون عن الاستشهاد بالأقوال الرحبانية في جلساتهم التي تشبه «عطر الليل» ولكن المعاكس. «تقول وتمشي ويبقى بعد ان تمشي... الكثير
في أنطلياس القرية والمدينة المتنية صقلته المعاناة وجوهرته التجارب. يقول منصور الرحباني: «إنها حكاية طفولة غريبة ترعرعت بين حفافي نهر الفوار وشجر الحور والصفصاف ووعر الجبال والصخور ومغاور انطلياس التاريخية... حكاية الفقر والحرمان حتى الوجع المر والبكاء الصامت الذي ينتهي دموعا حافية على أطراف مخدة ممزقة فوق فراش عتيق». في سن الـ14 ألف عاصي مجلته «الحرشاية» وفي بساتين ليمون انطلياس، خبأ ومنصور «خيبات» التجارب الأولى بعدما لملماها من ساحة البلدة التي شهدت الأخوين في مسرحية «يوسف بك كرم» التي كان الضرب المبرح نصيبهما منها على ايدي شبان شيوعيين من انطلياس، ومسرحية «النعمان الثالث ملك الحيرة» التي انتهت بهرج ومرج. خيبات كانت أولى الخطوات نحو النجاح بل الإبداع في ربط الجمال بالهم الإنساني. فأمام قدر قاس لم يبخل عليه بالمرض والظلم والموت، تسلح بإيمان من قد يتذمر من خالقه ولكنه في النهاية يختار التعويل على رحمته وانتظار عدله
وفي شوارع انطلياس أيضا «ضبط» عاصي إيقاع البلدة كـ«بوليس» للبلدية وهي المهنة التي زاولها نزولا عند رغبة والده القائل بأن «الفن لا يطعم خبزا». وفي خباياها «عاشر» القرويين و«القبضايات» من رواد مقهى أبي عاصي. الناس كانت هي الكتب «السميكة» التي قرأها ومنها نذر نفسه للأصالة وأعطى في مسرحياته «قائمة المحتويات والأدوات» لبناء الأوطان وسوس الشعوب. «الفن ابن الوعي». عبارة يحتاج الشخص العادي لقرون كي يتوصل اليها. أما لعاصي الرحباني فوفت الفطرة والعفوية بالغرض. الفطرة في الاكتساب والعفوية المشغول عليها. ليست صدفة أن ينفجر دماغ عاصي الرحباني في عيد الأب لأن أبوة أخرى انبلجت في عتمة بحاجة الى من يهدم هيكلها ويجعلها بفكره الاستشرافي تلفظ زناديقها ليعود بعدها الى جنة الخلود تاركا وراءه نورا لا ينطفئ
لا يمكن فصل عاصي الرحباني «الحالة» عن انطلياس. ولا يمكن للعامية ولنقطة التقاء كل لبنان ولمرتع الإنسان الأول إلا أن تقدم في النهاية هدية للبنان والعالم هي عاصي الرحباني. وإذا كانت هناك مدن تخلق ناسا، وناس في المقابل تخلق مدنا، ففي حالة عاصي الرحباني «انه التكامل» على ما يقول رئيس دير مار الياس ـ انطلياس الأب جوزف عبد الساتر حيث «خلقت انطلياس عاصي وعاد هو وخلق انطلياس من جديد
وليس من المستغرب أن يطلق على مسرح دير مار الياس انطلياس العام الماضي اسم «مسرح الأخوين رحباني». ألم يكن الأب بولس الأشقر هو من أحدث التحول الكبير في حياته بعدما أعطى فرصة تعلم الموسيقى للفتى الذي كان يقف خلف باب الصف منتظرا الفرصة التي أتت في النهاية عام 1938؟ وقالها عاصي في العام 1963 عندما كان يروي تجربته وشقيقه منصور مع الأب الأنطوني: «ندهنا (الأب بولس الأشقر) من طفولتنا التائهة وعلّمنا الموسيقى. ولقننا دخول وديان النفس والأماكن العميقة في الضمير. وعلمنا أننا أمام أبواب الفن نبقى تلاميذ وأن الفرحة الكبرى هي فرحة الإنسان بولادة الجمال
فريق الأربعة
«فريق الأربعة» الذي تألف في الخمسينيات من زكي ناصيف، عبد الغني شعبان وتوفيق الباشا، كان عاصي ومنصور الرحباني حجر الزاوية فيه نحو لبننة الموسيقى ضمن «الفوضى الثقافية اللبنانية البناءة» التي سادت منذ تلك الحقبة ولغاية عشية اندلاع الحرب فنجحت، من ضمن غيرها من الفعاليات الثقافية والفنية، في تعزيز الهوية اللبنانية وبناء ثقافتها. وفي الذكرى الـ21 للرحيل المادي لعاصي الرحباني، ما زالت انطلياس على الوعد
يروي أحد «العتاق» أن زياد الرحباني عندما ألف «معرفتي فيك» هوجم أن كيف لفيروز أن تغني هذا الكلام. وعندها قال عاصي لأبي عاصي: «أنت تكمل ما بدأناه والناس إذا لم يفهموك اليوم سيفهمونك غدا فنحن في البداية لم يفهم علينا أحد». والرهان اليوم ألا تبقى المبادئ التي رسخها الفن الرحباني مجرد أفكار، نفهمها نعم لكن لا نطبقها أو على الأقل لا نحاول ذلك. والسخرية أن أهل السياسة عندنا لا يتوانون عن الاستشهاد بالأقوال الرحبانية في جلساتهم التي تشبه «عطر الليل» ولكن المعاكس. «تقول وتمشي ويبقى بعد ان تمشي... الكثير
Subscribe to:
Posts (Atom)