Sunday

بقية اشلاء


بقية اشلاء

لا اعرف الى اين سوف تأخذني هذه الكتابة.. فلم اكن يوماً كاتباً

ولا شاعراً.. مع انني دائماً كنت اطمح لكي اكون كذلك.. بلحظة وجيزة ينتقل بك الوجود التي تكون فيه الى عالم لم تكن تألفه او هو ليس بما يناسبك.. بلحظة فرح تصبح حزيناً لا تدري ما السبب في ذلك.. دائماً الفرح صاخباً انما الحزن لا.. الحزن يكون اما في الكواليس او يسجن داخل ذاتك.. ينمو معك طالما يشعرك دائماً انه موجود.. ام انك سبب لفعل ما في زمناً ما.. رغم انك لم تكن مدرك لما سوف يحدث من افعالك الطائشة، حتى وانت في عمر لا يسمح لك ان تكون مسؤولاً عن افعالك لسبب انك ما زلت بعمر المراهقة..
حين ظل القلم يلح علي ان اكتب فيه اشياء طالما احبها، ترددت كثيراً كي لا اعاود تقليب ذاتي على اشياء تأخذني الى اماكن وازمان كان دويها صاخب.. حين يتعلق الامر بأشياء قد تكون ذاتية اكثر منها لكي تدرك اهتمام الأخرين..
لا ادري الى اين تأخذني الكتابة بعدما كتبت جرح الحنين، او كان الجرح الحزين.. لا ادري ما هي التسميات التي يجب ان توضع في اول الرسالة.. اريد الكتابة ولا اريد ان اعود الى الماضي.. يسألني عن ماضي كان يشبه مآسي عايشتها كما الآخرين.. تفاصيل الى حد الملل.. الكتابة تلك كأنها تقطتع منك اجزاء لتحيلها الى كلمات على اوراق بيضاء، لتشوه الأبيض بهذا الأسود الذي كنت فيه صغيراً،حينما كنت انام وانمو بين اسلحة كانت عشقي الدامي .. منذ ذاك الحين عندما كان اخي الكبير يطلب منا ان نفكك السلاح ونغسله بالمازوت كي يبقى على حالته الجيدة.. من يومها بدئت ارسم لحياتي ملامح مستقبلي.. حتماً مستقبل غير الذي يجب ان يعيشه اولاد مراهقين..صارت احلامي تأخذني الى كيفية حفر الخنادق، وارتداء الملابس الكاكية.. والانتساب الى معسكرات الشيوعيين.. كان احبها لدي تلك البدلة التي اطلقوا عليها اسم "البدلات الكوبية" حيث كانت تضعنا في احساس قريب من حياة تشي غيفارا.. لأن اسمه ونضاله ارتسم بتلك البلد التي احببناه وما زلنا.. " يا رفاقي في كوبا الآبية.. عندي لكم من بلدي تحية".. من يومها و"غيفارا" شعلتنا التي لا تنطفيء..
اصبحت متيم بأشياء لا يجب ان المسها..الى ان وجدت اشياء اخر ما كنت اتوقعه.. كان شيء مخيف ومذهل.. مهنة جديدة ابتكرتها لنفسي ، كانت البحث عن القذائف الأسرائيلية التي لم تكن تنفجر.. ابحث عنها وآتي بها الى البيت.. حيث لم اكن ادري انني احمل ادوات الموت .. كنت اتسلل بها خفيةً عن اهلي.. وبعضها كنت اويها الى فراشي كي لا يسرقها احداً لي.. كنت اترافق مع ادوات الموت ولا ادري.. الى ان وجدت اخر قنبلة، كانت الاجمل من حيث تركيبتها وتعقيداتها وكان الحدث الاول في مسيرة الحزن بي...
قد تكون ايضاً تلك الكلمات فعل طائش ويكون مكانها الطبيعي كواليس الدندنة والملل.. اما عن الكلمات التي تعبر عن الفرح مكانها الطبيعي ابداً لن يكون بين اسطري التي اخطها من اوجاع حفرت داخلي منذ سنين طويلة، وهي لا تريد ان تغادرني.. نحب دائماً ان نلوذ الى ذكرياتنا الأليمة فتجرنا بألف خيط دمع.. تدفعنا الى البكاء تارةً، وتارةً الى الغناء الشجين.. تقيم دائماً بيننا تقلب حياتنا راساً على عقب، فنحاول ان نخرج بأقل الخسائر..
لم تكن ولدنتنا من صنع ايدينا.. والموت ليس له صديق..لم نكن نعلم ان الحياة فينا يمكن ان تذهب بكل بساطة.. تلك "القذيفة" القنبلة التي اتحدث عنها.. التي احببتها عندما وجدتها.. تلك التي لم اكن ادري انها تخبيء شي لأصدقاء لي ولشقيقي.. كانت اكبر بكثير من احلامنا من استيعابنا للأمر المفجع.. قذيفة احتضنتها داعبتها مثل لعبة طفلاً.. كان ذلك في العام 1981.. خبئتها بمكان لا يمكن لأي كان ان يجدها.. الا انها وجدت من صديق اخي صدف وجوده بالمكان الذي خبئتها فيه.. وجدها في المكان التي نامت فيه تنتظر فريستها.. وجد موته واصدقائه، لا بل سرق موتي مني.. راحو يلهون بتلك القذيفة.. رجوتهم ان يعيدوها لي.. سعيت كثيراً كي استعيدها.. لكنهم ذهبوا بها الى المكان الذي لا يمكنهم العودة منه.. ذهبوا بها الى اخر عمرهم.. لم نكن الا اولاد لا نسأل عن اعمارنا ولا نخاف عليها.. مثلنا مثل الكثيرين الذين رحلوا.. اعدوا مكاناً خلف بيتنا، تحت شجرة تين، وراحوا يرقصون معها رقصة الموت والحياة.. لكن اصراهم على كشف سرها الدفين داخل فولاذها فكان هذا الشيء الكفيل بقصف اعمارهم.. تشظت اجساد ثلاثة منهم مثل شظايا القذيفة.. ورابع عطلت نصفه عامودياً.. فكان نصيبه ما بين الموت والحياة.. ليبقى شاهداً كي لا ننسى..
رجله، فيده، فأذنه، فعينه.. كل الجهة التي كان يصوبها نحوهم.. انفجار، فصمت رهيب.. ذهول لا يغير من الحدث شيء..
اما انا، كيف لي ان لا اعيش هذا الذنب الذي يرافقني منذ خمسة وعشرين عاماً.. كيف لا تكون حياتي مختلفة عن الأخرين.. شيء ما دفعني الأن لأول مرة لأكتب عن هذا الحدث.. شيء يدفعك الأن للأفصاح عن اشياء كانت مختزنة داخلك.. جرح لم يرد ان يفارقني، فوقه دندنة مستمرة فوق راسي، دائم الوجود.. يقول انني السبب...

زكريا اسماعيل

2 comments:

Moh'd Shaltaf said...

عزائي لك بعد خمسة وعشرين عاما من الشهادة
شعورك بالذنب طوال هذه المدة يدل على صفاء معدنك من الداخل وحياة مترفة لضمير يرعى داخلك كالغزال
لم تكن يوما سببا فيما حصل فأبطال لبنان وشهدائه جميعا ماتوا في سبيل حرية وحياة لبنان

Anonymous said...

Hello. This post is likeable, and your blog is very interesting, congratulations :-). I will add in my blogroll =). If possible gives a last there on my site, it is about the CresceNet, I hope you enjoy. The address is http://www.provedorcrescenet.com . A hug.